فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال} أي عن حال الجبال يوم القيامة.
{فَقُلْ} فقد جاء هذا بفاء وكل سؤال في القرآن قل بغير فاء إلا هذا، لأن المعنى إن سألوك عن الجبال فقل، فتضمن الكلام معنى الشرط.
وقد علم الله أنهم يسألونه عنها، فأجابهم قبل السؤال، وتلك أسئلة تقدمت سألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الجواب عقب السؤال؛ فلذلك كان بغير فاء، وهذا سؤال لم يسألوه عنه بعد؛ فتفهَّمه.
{يَنسِفُهَا} يطيرها.
{نَسْفًا} قال ابن الأعرابي وغيره: يقلعها قلعا من أصولها، ثم يصيرها رملًا يسيل سيلًا، ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا.
قال: ولا يكون العهن من الصوف إلا المصبوغ، ثم كالهباء المنثور.
{فَيَذَرُهَا} أي يذر مواضعها {قَاعًا صَفْصَفًا} القاع الأرض الملساء بلا نبات ولا بناء؛ قاله ابن الأعرابي.
وقال الجوهري: والقاع المستوي من الأرض والجمع أَقوعٌ وأَقواعٌ وقِيعانٌ صارت الواو ياء لكسر ما قبلها.
وقال الفراء: القاع مستنقع الماء والصفصف القرعاء.
الكلبي: هو الذي لا نبات فيه.
وقيل: المستوي من الأرض كأنه على صفّ واحد في استوائه؛ قاله مجاهد.
والمعنى واحد في القاع والصفصف؛ فالقاع الموضع المنكشف، والصفصف المستوي الأملس.
وأنشد سيبويه:
وكَمْ دُونَ بيتكَ من صَفْصَفٍ ** ودَكْدَاكِ رَمْلٍ وأَعْقَادِهَا

و{قاعا} نصب على الحال والصفصف.
و{لاَّ ترى} في موضع الصفة.
{فِيهَا عِوَجًا} قال ابن الأعرابي: العِوج التّعوج في الفِجاج.
والأَمْت النَّبَك.
وقال أبو عمرو: الأَمْت النِّبَاك وهي التلال الصغار واحدها نَبَك؛ أي هي أرض مستوية لا انخفاض فيها ولا ارتفاع.
تقول؛ امتلأ فما به أَمْت، وملأتُ القربة مَلًا لا أمت فيه؛ أي لا استرخاء فيه.
والأمت في اللغة المكان المرتفع.
وقال ابن عباس: {عِوَجًا} مَيْلًا.
قال: والأمت الأثر مثل الشراك.
وعنه أيضًا {عِوَجًا}، واديًا {وَلاَ أَمْتًا} رابية.
وعنه أيضًا: العوج الانخفاض والأمت الارتفاع.
وقال قتادة: {عِوَجًا} صدعًا {وَلاَ أَمْتًا} أي أكمة.
وقال يمان: الأمت الشقوق في الأرض.
وقيل: الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل ويدق في مكان؛ حكاه الصولي.
قلت: وهذه الآية تدخل في باب الرُّقَى؛ ترقى بها الثآليل وهي التي تسمى عندنا بالبراريق واحدها برُّوقة؛ تطلع في الجسد وخاصة في اليد: تأخذ ثلاثة أعواد من تبن الشعير، يكون في طرف كل عود عقدة، تُمرّ كل عُقدة على الثآليل وتقرأ الآية مرة، ثم تدفن الأعواد في مكان نديّ؛ تعفّن وتعفّن الثآليل؛ فلا يبقى لها أثر؛ جرّبت ذلك في نفسي وفي غيري فوجدته نافعًا إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعي} يريد إسرافيل عليه السلام إذا نفخ في الصور {لاَ عِوَجَ لَهُ} أي لا معدل لهم عنه؛ أي عن دعائه لا يزيغون ولا ينحرفون بل يسرعون إليه ولا يحيدون عنه.
وعلى هذا أكثر العلماء.
وقيل: {لاَ عِوَجَ لَهُ} أي لدعائه.
وقيل: يتَّبعون الداعي اتباعًا لا عوج له؛ فالمصدر مضمر؛ والمعنى: يتّبعون صوت الداعي للمحشر؛ نظيره: {واستمع يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41] الآية.
وسيأتي.
{وَخَشَعَتِ الأصوات} أي ذَلَّت وسكنت؛ عن ابن عباس قال: لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشّع، فكل لسان ساكت هناك للهيبة.
{للرحمن} أي من أجله.
{فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا} الهمس الصوت الخفيّ؛ قاله مجاهد.
عن ابن عباس: الحس الخفيّ.
الحسن وابن جريج: هو صوت وقع الأقدام بعضها على بعض إلى المحشر؛ ومنه قول الراجز:
وهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا

يعني صوت أخفاف الإبل في سيرها.
ويقال للأسد الهموس؛ لأنه يَهمِس في الظلمة؛ أي يطأ وطئًا خفيًّا.
قال رؤبة يصف نفسه بالشدّة:
ليثٌ يَدقُّ الأسدَ الهَمُوسَا ** والأَقْهَبينِ الفيلَ والجاموسَا

وهمس الطعام؛ أي مضغه وفُوه منضمٌّ؛ قال الراجز:
لقد رأيتُ عجبًا مُذْ أَمْسَا ** عجائزًا مثلَ السَّعَالِي خَمْسَا

يَأْكلْنَ ما أصنع هَمْسًا هَمْسًا

وقيل: الهمسُ تحريك الشّفة واللسان.
وقرأ أبيّ بن كعب {فَلاَ يَنْطِقُونَ إِلاَّ همْسًا}.
والمعنى متقارب؛ أي لا يسمع لهم نطق ولا كلام ولا صوت أقدام.
وبناء: ه م س أصله الخفاء كيفما تصرف؛ ومنه الحروف المهموسة، وهي عشرة يجمعها قولك: حَثَّهُ شَخْصٌ فَسَكَتَ وإنما سمى الحرف مهموسًا لأنه ضَعُف الاعتمادُ من موضعه حتى جَرَى معه النفَس.
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن} {من} في موضع نصب على الاستثناء الخارج من الأوّل؛ أي لا تنفع الشفاعة أحدًا إلا شفاعة من أذن له الرحمن.
{وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} أي رضي قوله في الشفاعة.
وقيل: المعنى، أي إنما تنفع الشفاعة لمن أذن له الرحمن في أن يشفع له، وكان له قول يرضى.
قال ابن عباس: هو قول لا إله إلا الله.
قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أي من أمر الساعة.
{وَمَا خَلْفَهُمْ} مِن أَمرِ الدنيا قاله قتادة.
وقيل: يعلم ما يصيرون إليه من ثواب أو عقاب {وما خلفهم} ما خلفوه وراءهم في الدنيا.
ثم قيل: الآية عامة في جميع الخلق.
وقيل: المراد الذين يتبعون الداعي.
والحمد لله.
قوله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} الهاء في {به} لله تعالى؛ أي أحد لا يحيط به علما؛ إذ الإحاطة مشعرة بالحدّ ويتعالى الله عن التحديد.
وقيل: تعود على العلم؛ أي أحد لا يحيط علمًا بما يعلمه الله.
وقال الطبري: الضمير في {أيديهم} و{خلفهم} و{يحيطون} يعود على الملائكة؛ أعلم الله من يعبدها أنها لا تعلم ما بين أيديها وما خلفها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال}.
وضمير الغائب في {ويسألونك} عائد على قريش منكري البعث أو على المؤمنين سألوا عن ذلك، أو على رجل من ثقيف وجماعة من قومه أقوال ثلاثة.
والكاف خطاب للرّسول صلى الله عليه وسلم، والظاهر وجود السؤال ويبعد قول من قال إنه لم يكن سؤال بل المعنى أن يسألوك {عن الجبال فقل} فضمن معنى الشرط، فلذلك أجيب بالفاء وروي أن الله يرسل على الجبال ريحًا فيدكدكها حتى تكون كالعهن المنفوش، ثم يتوالى عليها حتى يعيدها كالهباء المنبث فذلك هو النسف، والظاهر عود الضمير في {فيذرها} على الجبال أي بعد النسف تبقى {قَاعًا} أي مستويًا من الأرض معتدلًا.
وقيل فيذر مقارها ومراكزها.
وقيل: يعود على الأرض وإن لم يجر لها ذكر لدلالة الجبال عليها.
وقال ابن عباس {عوجًا} ميلًا {ولا أمتًا} أثرًا مثل الشراك.
وعنه أيضًا {عوجًا} واديًا {ولا أمتًا} رابية.
وعنه أيضًا الأمت الارتفاع.
وقال قتادة {عوجًا} صدعًا {ولا أمتًا} أكمة.
وقيل: الأمت الشقوق في الأرض.
وقيل: غلظ مكان في الفضاء والجبل ويرق في مكان حكاه الصولي.
وقيل: كان الأمت في الآية العوج في السماء تجاه الهواء، والعوج في الأرض مختص بالأرض.
وقال الزمخشري: فإن قلت: قد فرقوا بين العوج والعوج فقالوا: العِوَج بالكسر في المعاني، والعَوَج بالفتح في الأعيان والأرض، فكيف صح فيها المكسور العين؟ قلت: اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسوّيتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة، واتفقتم على أن لم يبق فيها اعوجاج قط ثم استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية لعثر فيها على عوج في غير موضع لا يدرك بذلك بحاسة البصر، ولكن بالقياس الهندسي فنفى الله عز وجل ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلاّ بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني فقيل فيه عوج بالكسر.
الأمت النتوء اليسير، يقال: مدّ حبله حتى ما فيه أمت انتهى.
{يومئذ} أي يوم إذ ينسف الله الجبال {يتبعون} أي الخلائق {الداعي} داعي الله إلى المحشر نحو قوله: {مهطعين إلى الداع} وهو إسرافيل يقوم على صخرة بيت المقدس يدعو الناس فيقبلون من كل جهة يضع الصور في فيه، ويقول: أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرّقة هلم إلى العرض على الرحمن.
وقال محمد بن كعب: يجمعون في ظلمة قد طويت السماء وانتثرت النجوم فينادي مناد فيموتون موته.
وقال عليّ بن عيسى {الداعي} هنا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعوهم إلى الله فيعوجون على الصراط يمينًا وشمالًا ويميلون عنه ميلًا عظيمًا، فيومئذ لا ينفعهم اتباعه، والظاهر أن الضمير في {له} عائد على {الداعي} نفى عنه العوج أي {لا عوج} لدعائه يسمع جميعهم فلا يميل إلى ناس دون ناس.
وقيل: هو على القلب أي {لا عوج} لهم عنه بل يأتون مقبلين إليه متبعين لصوته من غير انحراف.
وقال الزمخشري: أي لا يعوج له مدعوّ بل يستوون إليه انتهى.
وقيل {لا عوج له} في موضع وصف لمنعوت محذوف أي اتباعًا {لا عوج له} فيكون الضمير في {له} عائدًا على ذلك المصدر المحذوف.
وقال ابن عطية يحتمل أن يريد به الإخبار أي لا شك فيه، ولا يخالف وجوده خبره ويحتمل أن يريد لا محيد لأحد عن اتباعه، والمشي نحو صوته والخشوع التطامن والتواضع وهو في الأصوات استعارة بمعنى الخفاء.
والاستسرار للرحمن أي لهيبة الرحمن وهو مطلع قدرته.
وقيل هو على حذف مضاف أي وخشع أهل الأصوات والهمس الصوت الخفي الخافت، ويحتمل أن يريد بالهمس المسموع تخافتهم بينهم وكلامهم السر، ويحتمل أن يريد صوت الأقدام وأن أصوات النطق ساكنة.
وقال الزمخشري: {إلا همسًا} وهو الركز الخفي ومنه الحروف المهموسة.
وقيل: هو من همس الإبل وهو صوت إخفافها إذا مشت، أي لا يسمع إلا خَفْقُ الأقدام ونقلها إلى المحشر انتهى.
وعن ابن عباس وعكرمة وابن جبير: الهمس وطء الإقدام، واختاره الفراء والزجاج وعن ابن عباس أيضًا تحريك الشفاه بغير نطق، وعن مجاهد الكلام الخفي ويؤيده قراءة أُبَيّ فلا ينطقون {إلا همسًا} وعن أبي عبيدة الصوت الخفي يومئذ بدل من {يومئذ يتبعون} أو يكون التقدير يوم إذ {يتبعون} ويكون منصوبًا بلا تنفع و{منْ} مفعول بقوله: {لا تنفع}.
و{له} معناه لأجله وكذا في ورضي له أي لأجله، ويكون من للمشفوع له أو بدل من الشفاعة على حذف مضاف أي إلاّ شفاعة من أذن له أو منصوب على الاستثناء على هذا التقدير، أو استثناء منقطع فنصب على لغة الحجاز، ورفع على لغة تميم، ويكون {من} في هذه الأوجه للشافع والقول المرضي عن ابن عباس لا إله إلا الله.
والظاهر أن الضمير في {أيديهم وما خلفهم} عائد على الخلق المحشورين وهم متبعو الداعي.
وقيل: يعود على الملائكة.
وقيل: على الناس لا بقيد الحشر والاتباع، وتقدم تفسير هذه الجملة في آية الكرسي في البقرة، والضمير في {به} عائد على {ما} أي {ولا يحيطون} بمعلوماته {علمًا}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال} أي عن مآل أمرِها وقد سأل عنه رجل من ثقيف، وقيل: مشركو مكةَ على طريق الاستهزاء {فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفًا} أي يجعلها كالرمل ثم يُرسل عليها الرياحَ فتُفرّقها والفاء للمسارعة إلى إلزام السائلين {فَيَذَرُهَا} الضميرُ إما للجبال باعتبار أجزائِها السافلةِ الباقيةِ بعد النسفِ وهي مقارُّها ومراكزُها، أي فيذر ما انبسط منها وساوى سطحُه سطوحَ سائرِ أجزاءِ الأرض بعد نسفِ ما نتَأ منها ونشَز، وإما للأرض المدلول عليها بقرينة الحالِ لأنها الباقيةُ بعد نسفِ الجبال، وعلى التقديرين يذر الكلَّ {قَاعًا صَفْصَفًا} لأن الجبالَ إذا سُوّيت وجُعل سطحُها مساويًا لسطوح سائر أجزاءِ الأرض فقد جُعل الكلُّ سطحًا واحدًا، والقاعُ قيل: السهلُ، وقيل: المنكشفُ من الأرض، وقيل: المستوى الصُّلْبُ منها، وقيل: ما لا نباتَ فيه ولا بناء، والصفْصفُ الأرضُ المستويةُ الملساءُ كأن أجزاءَه صفٌّ واحد من كل جهة، وانتصابُ قاعًا على الحالية من الضمير المنصوبِ أو هو مفعولٌ ثانٍ ليذر على تضمين معنى التصييرِ وصفصفًا إما حالٌ ثانية أو بدلٌ من المفعول الثاني وقوله تعالى: {لاَّ ترى فِيهَا} أي في مقارّ الجبال أو في الأرض على ما مر من التفصيل {عِوَجَا} بكسر العين أي اعوجاجًا ما، كأنه لغاية خفائِه من قبيل ما في المعاني أي لا تدركه إن تأملْتَ بالمقاييس الهندسية {وَلا أَمْتًا} أي نتُوءًا يسيرًا استئنافٌ مبينٌ لكيفية ما سبق من القاع الصفْصَف أو حالٌ أخرى أو صفة لقاعًا، والخطابُ لكل أحدٍ ممن تتأتى منه الرؤيةُ، وتقديمُ الجارّ والمجرور على المفعول الصريحِ لما مر مرارًا من الاهتمام بالمقدم والتشويقِ إلى المؤخر مع ما فيه من طول ربما يُخلُّ تقديمُه بتجاوب أطرافِ النظم الكريم {يَوْمَئِذٍ} أي يومَ إذْ نُسفت الجبالُ على إضافة اليوم إلى وقت النسْفِ وهو ظرفٌ لقوله تعالى: {يَتَّبِعُونَ الداعى} وقيل: بدلٌ من يومَ القيامة وليس بذاك أي يتبع الناسُ داعيَ الله عز وجل إلى المحشر وهو إسرافيلُ عليه السلام يدعو الناسَ عند النفخةِ الثانية قائمًا على صخرة بيتِ المقدس، ويقول: أيتها العِظامُ النخِرةُ والأوصالُ المتفرّقةُ واللحومُ المتمزّقة قومي إلى عَرْض الرحمن، فيُقبلون من كل أَوبٍ إلى صَوْبه {لاَ عِوَجَ لَهُ} لا يعوَجّ له مدعوٌّ ولا يعدِل عنه.
{وَخَشَعَتِ الاصوات للرحمن} أي خضعت لهيبته {فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا} أي صوتًا خفيًا ومنه الهميسُ لصوت أخفافِ الإبل، وقد فُسر الهمْسُ بخفق أقدامِهم ونقلِها إلى المحشر.
{يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذ يقع ما ذُكر من الأمور الهائلةِ {لاَّ تَنفَعُ الشفاعة} من الشفعاء أحدًا {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن} أن يشفع له {وَرَضِىَ لَهُ قَوْلًا} أي ورضيَ لأجله قولَ الشافع في شأنه أو رضي قوله لأجله وفي شأنه، وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإنْ فُرِضَ صدورُها عن الشفعاء المتصدّين للشفاعة للناس كقوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين} فالاستثناءُ كما ترى من أعم المفاعيل، وأما كونُه استثناءً من الشفاعة على معنى لا تنفع الشفاعةُ إلا شفاعةُ من أذِن له الرحمن أن يشفع لغيره كما جوزوه، فلا سبيل إليه لِما أن حُكم الشفاعةِ ممن لم يؤذَنْ له أن يملِكَها ولا تصدرُ هي عنه أصلًا كما في قوله تعالى: {لاَّ يَمْلِكُونَ الشفاعة إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} وقوله تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} فالإخبارُ عنها بمجرد عدم نفعِها للمشفوع له ربما يوهم إمكانَ صدورِها عمن لم يؤذَنْ له مع إخلاله بمقتضى مقامِ تهويل اليوم، وأما قوله تعالى: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شفاعة} فمعناه عدمُ الإذنِ في الشفاعة لا عدمُ قبولها بعد وقوعها {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أي ما تقدمهم من الأحوال، وقيل: من أمر الدنيا {وَمَا خَلْفَهُمْ} وما بعدهم مما يستقبلونه، وقيل: من أمر الآخرة {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} أي لا تحيط علومُهم بمعلوماته تعالى، وقيل: بذاته أي من حيث اتصافُه بصفات الكمالِ التي من جملتها العلمُ الشاملُ، وقيل: الضمير لأحد الموصولين أو لمجموعهما فإنهم لا يعلمون جميع ذلك ولا تفصيلَ ما علموا منه. اهـ.